تحليل قصيدة سوف يبين الحق للشاعر محمود سامي البارودي

تحليل قصيدة سوف يبين الحق للشاعر محمود سامي البارودي


تلاميذنا الأعزاء نقدم لكم تحليل رائع وممتاز لقصيدة  "سوف يبين الحق" لمحمود سامي البارودي للثانية بكالوريا شعبتي الأداب والعلوم الإنسانية.


تحليل قصيدة سوف يبين الحق
 تحليل قصيدة سوف يبين الحق للشاعر محمود سامي البارودي

◇ الرصيد  حول مدرسة البعث والإحياء :

شهد الشعر العربي في العصور الوسطى نوعا من الإزدهار والتنوع والقوة في جميع مستوياته. إلا أنه بعد هذه المرحلة عرف الشعر نوعا من التراجع والضعف والانحطاط نتيجة استعمال لغة وسطى والإفراط في الصنعة والتكلف والتقليد الضعيف للقدامى ثم ركاكة الأسلوب ، وضحالة المعاني ، مما أدى إلى ظهور مدرسة جديدة في منتصف القرن التاسع عشر والتي سعت إلى إعادة إحياء الشعر ونفظ غبار التخلف والإنحطاط عنه ، ولقد ساهمت عدة عوامل في ظهور هذه المدرسة من بين أهمها حملة نابليون بونبارت على مصر والتي تم خلالها كشف العرب عن أوجه اختلاف بين حضارتهم والحضاراة الغربية وبالتالي محاولتهم لتقليد الغرب في نمط كتابتهم للشعر ، ثم عامل الإستعمار الأوربي حيث أنه أدى استعمار الدول العربية إلى ظهور حركات مختلفة تسعى إلى محاولة إعادة بناء وإحياء الأدب العربي ، وأخيرا عامل الفكر الإصلاحي وذلك عن طريق استلهام التاريخ الماضي المجيد لبناء حاضر ومستقبل مشرق . 

ومن بين الخصائص التي تميزت بها هذه المدرسة نجد استلهام التقاليد الفنية للقصيدة العربية ، ثم العمل على تطويع النموذج التقليدي ، وأخيرا المعارضة الشعرية أي تقليد القدامى على مستوى(المضمون / الوزن / الإيقاع...) .

 وهذه المدرسة لم تأتي عبثا إنما جاءت على أيادي رواد نظموا لها من قبيل "محمود سامي البارودي ، وعلال الفاسي ويعدّ الشاعر محمود سامي البارودي من أبرز الشعراء الذين اضطلعوا بهذا  الدّور، ويرجع ذلك إلى اطلاعه الواسع على روائع الشعر العربي القديم . ولعلّ القصيدة اللتي بين أيدينا خير دليل على كونه من كبار ممثلين هذا الإتجاه الشعري .

© الملاحظة

1- دلالة العنوان:

العنوان يتكون من ثلاثة كلمات لفظية وهي في مجموعها جملة اسمية تفيد المستقبل  مأخودة من البيت 23 ودلالة ذلك أن الحق سيظهر وإن غاب لفترة زمنية فلا بد له أن يظهر ويتحقق،أما كلمة يبين فتعني الظهور والبيان ،وإن من خصائص الجملة الإسمية التبات واليكون،كما أن الشاعر متؤكد أن يقع تحولا بظهور الحق وزهق الباطل.مصدقا لقوله تعالى " إن الباطل كان زهوقا " .

 2- فرضية النص:

انطلاقا من ملاحظتنا للعنوان وبداية القصيدة ونهايتها نقترض أن الشاعر سيتحدث عن تجربته في المنفى معبرا عن معاناته وأحزانه جراء فقده لأحبته مخبرا عن أسباب نفيه.

© الفهم

* تكتيف مضمون القصيدة:

استهل الشاعر قصيدته بالتحدت عن طيف ابنته الذي زاره في المنام، وكذا وصفه لنا اشتياقه للأهل والأحباب، ويأكد على أن هذه الحياة بدون حلاوة ومرارة فإن من يحياها هو مستهترا لا يستحقها، وأن الإنسان من الواجب أن يتخطى صعابها ومواجهة هجماتها.وذكره لنا لمعناته في المنفى فلقد خلق له هذا التدكر معاناة في نفسية الشاعر، ليختتم قصيدته بمدح نفسه باعتباره بطل.

المستوى الدالي / المعجمي :

- اعتمد الشاعر في قصيدته هذه على حقلين دلاليين، حقل دال على الصبر و المعاناة ومن أمثلته ( صبرت ، كره ، أصابني، صابر ، يصبر ، رزية ، الدوائر …) و كذلك حقل دال على الفخر ( ملكت ، رُمْت ، العُلاَ ، أبت نفسي ، أنا المرء ، قؤول ، صؤول …).
كما استخدم الشاعر عددا كبيرا من الكلمات الصعبة وغير المتداولة في عصره مثل ( السَّمَاِدر، مَنْدُوحة، المَعَايِر ، المَفَاقِر ، صؤُول ، فَلَّ ، غَمْرَة ،…).

المستوى الإيقاعي :

أ‌- الإيقاع الخارجي : نلاحظ أن الشاعر اعتمد في قصيدته هاته بنية إيقاعية تقليدية  حيث التزم ببحر من البحور الخليلية وهو بحر الطويل ، كما اعتمد نظام الشطرين وقافية موحدة ( واطرو /0//0) وروي موحد هو حرف الراء بالإضافة إلى استخدام التصريع في البيت الأول ( زائرو /0//0 = واطرو/0//0 ).

ب - الإيقاع الداخلي : والذي اعتمد فيه الشاعر على تكرار مجموعة من الأصوات كتكرار حرف النون في البيت 2 والبيت 18 والصاد في البيت 8 ، وتكرار بعض الكلمات الاشتقاقية كما في البيت 12 ( لو رمت ما رام ) والبيت 6 ( صبرت ، صابر). ليعبر لنا عن معاناته النفسية في المنفى واشتياقه لأهله وابنته.

© الصورة الشعرية:

- استخدم الشاعر الوسائل التقليدية في بناء الصورة الشعرية مثل التشبيه ( تمثلها الذكرى لعيني كأنني إليها ناظر) والاستعارة ( ومن لم يذق حلو الزمان ومره ) والكناية ( ملكت عُقَاب المُلْكِ ) .وهذه الصور الشعرية تتميز بكونها مادية محسوسة – على غرار الصور الشعرية للقدماء – وقد استخدمت  للتعبير عن أحاسيس و أفكار الشاعر ( الوظيفة التعبيرية ).
كما أنه لم يلتزم  بغرض واحد في القصيدة ، ولكنه بدأ بمقدمة عبَّر فيها عن عواطفه تجاه ابنته ، ثم انتقل إلى التعبير عن معاناته ليصل بعد ذلك إلى الفخر ، وهذا يفيد بأن القصيدة لا تتوفر على وحدة موضوعية .

الجمل والأساليب التي اعتمدها الشاعر في قصيدته :

– زاوج الشاعر بين الجمل الفعلية التي تدل على الحركة والتحول ، وهو تحول واضح من خلال نفسية الشاعر التي تحس بالظلم و تسعى للتخلص منه ، والجمل الاسمية التي كانت مناسبة لغرض الفخر ولثبات الصفات التي افتخر بها .
كما أن النص غلبت عليه الجمل الخبرية التقريرية التي تحتمل التصديق والتكذيب ، مع وجود بعض الجمل الإنشائية كالأمر ( وأي حسام لم تصبه كلالة ؟) والنهي ( فلا تحسبن المال ينفع ربه ) .

التركيب :

إجمال يمكن القول أن قصيدة سوف يبين الحق قد عبر لنا فيها الشاعر عن معاناته النفسية التي عاشها في المنفى واشتياقه لبنته وأهله وأحبابه ،كما يمكن أن نؤكد على أن هاته القصيدة تنتمي إلى المدرسة التقليدية بسبب مظاهر التقليد التي توفرت فيها والتي نجملها كما يلي :
–  توظيف عدد كبير من الألفاظ الصعبة غير المتداولة في عصر الشاعر .
– البدء بمقدمة وجدانية على غرار القدماء الذين كانوا يبدأون بمقدمة طللية أو غزلية .
– استخدام غرض تقليدي وهو الفخر.
– غياب الوحدة الموضوعية بسبب تعدد الأغراض.
– استخدام الوسائل التقليدية في بناء الصورة الشعرية كالتشبيه و الاستعارة.
– التركيز على الجمل الخبرية التقريرية .
– الالتزام ببنية إيقاعية موروثة تجلت في التصريع وبحر الطويل ونظام الشطرين وقافية موحدة بروي موحد.

 عماد الدين زهير
عماد الدين زهير
من هو عماد الدين؟عماد الدين، مدون مغربي ومؤسس موقع نديروا اليد فاليد من أجل الحصول على البكالوريا، حاصل على شهادة البكالوريا في شعبة الآداب والعلوم الإنسانية سنة 2015، كما نال شهادة الإجازة في القانون الخاص.جاءت فكرة تأسيس هذا الموقع من إيماني العميق بأهمية التضامن المعرفي، وسعيًا لمد يد العون لتلاميذ البكالوريا، عبر تقديم محتوى تعليمي يُسهم في تمكينهم من النجاح والتفوق الدراسي.
تعليقات