منهجية تحليل أي نص نظري في مادة اللغة العربية روعة وجاهزة

تحليل قصيدة "غرفة الشاعر" علي محمود طه (ص:53)

 تلاميذنا الأعزاء نقدم لكم تحليل رائع وجميل لقصيدة غرفة الشاعر، للشاعر علي محمود طه (ص53) للثانية بكالوريا شعبتي الأداب والعلوم الإنسانية.

تحليل قصيدة " غرفة الشاعر " محمود طه (ص:53) 

◇ الرصيد المعرفي حول المدرسة الرومانسية

ظهرت المدرسة الرومانسية في العالم العربي مع مطلع القرن العشرين بهدف رد الاعتبار إلى الذات المهمشة وجعلها مصدرا لإلهام الشاعر، كما كانت وراء ظهورها عدة عوامل باعتبارها تجربة شعرية جديدة دعت أولا إلى اتخاذ الذات مصدر الإلهام والإبداع، متجاوزة بذلك خطاب البعث والإحياء وأتباعه مثل البارودي وشوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم. وطبيعي أن يأتي الشعر الرومانسي العربي كنتيجة طبيعية إلى تأثر رواد هذا الخطاب بأعلام الخطاب الرومانسي الغربي أمثال فيكتور هيكو ولمزيني، بحيث الذات بؤرة اهتمام الشاعر الرومانسي ومشاعرها وآهاتها وإرهصاتها، أي كل ما يتعلق بالذات الإنسانية ولا شيء غير الذات.

 وهكذا وجدنا مجموعة من الشعراء ينظمون في مدارس أدبية وشعرية نذكر منها: مدرسة الديوان، مدرسة أبولو، مدرسة الرابطة القلمية لشعراء المهجر.
ويعد شاعرنا علي محمود طه من بين أبرز الشعراء الرومانسيين الذين التزموا بمبادئ وخصائص هذه المدرسة، وهذه القصيدة واحدة من إبداعاته الرومانسية.

◇ دلالة العنوان ووضع الفرضية

1- دلالة العنوان

يحيل عنوان هذه القصيدة أي "غرفة الشاعر" إلى وجود اسمين: الأول مضاف يحيل على المكان (الغرفة) والثاني مضاف إليه يحيل على الذات الإنسانية (الشاعر)، مما يؤكد تأكيدا قويا على حضور المعدات والنزعة الفردية في الشعر الرومانسي، باعتبار الذات والأنا الإنسانية مصدر الإبداع والخلق كما هو الحال في هذا النموذج الشعري.

2- فرضية النص

على ضوء قراءتنا للعنوان وبداية القصيدة ونهايتها نفترض أن موضوعها سيجسد لنا معاناة الشاعر الوجدانية التي تنطوي عليها ذاته من آلام وأحزان وكآبة وتمزق.

◇ الفهم

* تكثيف معاني القصيدة

يكشف لنا الشاعر علي محمود طه عن حالته النفسية ونظرته للحياة وموقفه منها، حيث استهل قصيدته بتصوير حالته النفسية والجسمانية التي أصبح عليها بفعل التفكير والسهاد، حالة سيتولد عنها استغراق الشاعر في همومه وأفكاره في انقطاع تام مع العالم الخارجي، ما هو إلا مظهر من مظاهر الكآبة والأسى التي جناها الشاعر من أفكاره وهمومه، وفي الأخير يقتنع الشاعر بأن الدنيا فانية لا تستحق هذه المعاناة ويدعو نفسه للخلود إلى النوم.

◇ التحليل

*** المستوى الدلالي

إذا أمعنا النظر في هذه القصيدة نلاحظ أنها تكتسي طبيعة ذاتية محضة، وذلك من خلال حديث الشاعر عن مشاعر الحزن والكآبة التي يعيشها في غرفته ليلا. ويمكن أن نبرز مواطن التفاعل والارتباط من خلال الجدول التالي:

• حقل دال على الحزن والكآبة والمشاعر: الأسى، الكئيب، حزين، الشاحب، الدموع، غارق، في سجونك، الأنين، الارتعاش، السهد، ذابلات، جفينك.
• حقل دال على الغرفة والليل: الغرفة، الصمت، السكون، الليل، السراج، الضوء، الرعد، بقايا النيران، الدجى، الفراش، السهاد، مكانك.

بملاحظتنا الأولية نجد أن العلاقة القائمة بين الحقلين هي علاقة تكامل وانسجام، وهو ما يؤكد على حضور النزعة الذاتية والبعد الفردي في هذه القصيدة.

◇ المستوى الإيقاعي

√ الإيقاع الخارجي

بنيت القصيدة على نظام الشطرين المتناظرين (الشطر والعجوز)، حيث تنتمي إلى البحر الخفيف (فاعلاتن، مستفعلن، فاعلاتن).
وعلى مستوى الشكل الموسيقي نلاحظ بعض الشكليات الحديثة، حيث جاءت القصيدة عبارة عن مقاطع شعرية وكذلك تنوع القوافي، ففي المقطع الأول والثالث جاءت مقيدة لأن راويها ساكن، ثم في المقطع الثاني قافية مطلقة لأن راويها متحرك، بالإضافة إلى تنوع الروي بين حرف الكاف والقاف واللام والباء. وكل هذه المؤشرات الشكلية تزكي لنا انتماء القصيدة إلى الشعر الرومانسي الذي حاول التجديد في بناء القصيدة.

√ الإيقاع الداخلي

إن المتأمل في قصيدة علي محمود طه يلاحظ أن الشاعر قد وضع قصيدته بجرس موسيقي داخلي كئيب، والذي يتمثل في مقوم التكرار، حيث تكررت مجموعة من الأصوات مثل حرف (الكاف، القاف، الباء، السين وحروف المد ...) وأيضا تكرار بعض الكلمات مثل (الشاعر، الليل، الجفون، الصمت، الدجى، الحياة...) ليؤكد مدى عمق حزنه والكآبة التي انغمس فيها في غرفته.
وكذلك لم يغفل الشاعر عن توظيف مقوم الجناس والطباق، دليلا على أن الشاعر الرومانسي لم يعد يحتفي بالمحسنات البديعية اللفظية الأخرى مثل الجناس والطباق والتوازي.

◇ الصور الشعرية

من خصوصيات الشعر الرومانسي احتفاءه بالتصوير الشعري وفق رؤية شعرية خاصة حاولت تجاوز مفهوم الصورة في القصيدة التقليدية، وبذلك نجد أن الشاعر علي محمود طه وظف مجموعة من الصور الشعرية، ومن أمثلة ذلك:

• الصورة الواردة في البيت السادس حيث صور الشاعر الصمت والسكون بما يمشي ويسير في الأعماق.
• الصورة الواردة في البيت السابع حيث السراج الساحب يحاول تخفيف وطآت الصمت على الشاعر.
• الصورة الواردة في البيت الثامن حيث النيران تبكي حمرتها على الشاعر وعلى حياته الكائبة.

وفي هذا السياق يمكن القول إن الصورة عند الرومانسيين تتسم بالإغراق في الخيال مقارنة مع الصورة التقليدية.
إن وظيفة الصورة الشعرية عند الرومانسيين تعبيرية انفعالية، أي أنها تعبر عن تجربة الشاعر الرومانسي حيث تصبغ بصبغة ذاتية محضة.

◇ المستوى اللغوي :

باستقراءنا لأزمنة الأفعال الواردة في القصيدة نجد هيمنة أفعال زمن المضارع مثل (تصغي، يزدهيك، تسمع)، ولهذه الأفعال دور كبير في إبراز نفسية الشاعر المتدمرة والمنهكة.
أما بخصوص الأساليب، فنجد هيمنة الأسلوب الخبري لكثرته داخل بنية القصيدة، ويحاول الشاعر اعتماد هذا الأسلوب لإخبارنا عن معاناته الوجدانية دون إقصاء الأساليب الإنشائية ذات الدلالات الانفعالية مثل أسلوب الأمر والنداء والاستفهام.
أما بالنسبة للضمائر، فهناك ضمير المخاطب الذي استعمله مخاطبا به نفسه المتألمة والمنكسرة والمشتكية.

خلاصة:

تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن هذه القصيدة تحفل بغنائية خاصة ذات طابع ذاتي وجداني، حيث كانت الذات الشاعرة محط التعبير عن المعاناة والآلام والمشاعر والحزن والكآبة، كما استدعى علي محمود طه في قصيدته هذه تأليف شعري غني من خلال بناء استعاري محكم، مما جعل جمل القصيدة إيحائية دلالية عن النفسية المهزومة، كما استند الشاعر إلى بنية إيقاعية داخلية مناسبة أسهمت في إنشادية القصيدة وتنظيمها، هذا فضلا عن الغنى الأسلوبي في القصيدة، وبذلك نجد هذه القصيدة تنتمي إلى خطاب سؤال الذات في الرومانسية العربية التي تتمحور حول الذات بكل مشاعرها وأحاسيسها وآهاتها.

من إعداد مدونة: نديرو اليد فاليد من أجل الحصول على البكالوريا

إدارة مدونة نديرو اليد فاليد من أجل الحصول على البكالوريا تتمنى لكم النجاح والتوفيق.

فقرة تفاعلية

والآن دوركم أعزائي التلاميذ:

• ما أكثر صورة شعرية شدت انتباهكم في هذه القصيدة؟
• وهل ترون أن علي محمود طه عبر بصدق عن معاناة الذات الرومانسية؟

 شاركوا آراءكم في التعليقات، فالنقاش يساعد على الفهم ويقرب النجاح.