تحليل قصيدة تموز جيكور للشاعر بدر شاكر السياب (ص 87)

تحليل قصيدة تموز جيكور للشاعر بدر شاكر السياب (ص 87)


تلاميذنا الأعزاء نقدم لكم تحليل رائع وجميل لقصيدة "تموز جيكور" للشاعر بدر شاكر السياب للثانية بكالوريا شعبتي الأداب والعلوم الانسانية 


 الرصيد المعرفي حول تكسير البنية وتجديد الرؤيا

ﻭﺍﺻﻞ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺗﻄﻮﺭﻩ ﻣﺘﺠﺎﻭﺯﺍ ﺑﺬﻟﻚ ﺧﻄﺎﺏ ﺇﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﻤﻬﺘﻢ ﺑﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺙ ﺍﻟﺸﻌﺮﻱ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ، ﻭ ﺳﺆﺍﻝ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﻐﻤﺲ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ ﻭ ﺍﻟﺘﻐﻨﻲ ﺑﻬﻤﻮﻡ ﺍﻟﺬﺍﺕ ،ﺇﺫ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﻇﻬﺮﺕ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺳﻂ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻮﺟﺔ ﺇﺑﺪﺍﻋﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺍﺗﺨﺬﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻮﺩ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻪ ﺷﻌﺎﺭ ﻟﻬﺎ ، ﻭ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﻈﺮﻭﻑ ﻭ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺩﻭﺭ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻇﻬﻮﺭ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﻜﺴﻴﺮ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ، ﻓﻨﻜﺒﺔ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ 1948 ﻭ ﻣﺎ ﺗﻼﻫﺎ ﻣﻦ ﻫﺰﺍﺋﻢ ﻫﺰﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ، ﻭ ﺟﻌﻠﺖ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﺷﻌﺮﻱ ﺟﺪﻳﺪ ﻳﺮﺍﻋﻲ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻋﺼﺮﻩ ،ﻣﺴﺘﻔﻴﺪﺍ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻧﻔﺘﺎﺣﻪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺭﻭﺍﻓﺪ ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ . ﻓﺘﻤﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺸﻄﺮﻳﻦ ﻭ ﺗﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻘﻮﺍﻓﻲ ﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺠﻢ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻭ ﺃﺑﺪﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭ ﻣﺼﻴﺮ ﺃﻣﺘﻪ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ ﺗﻌﺒﻴﺮﻳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺃﻫﻤﻬﺎ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﻭ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ . ﻭ ﺣﻈﻴﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺑﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻭ ﻟﻔﺘﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻷﻧﻈﺎﺭ ﻟﺠﺪﺓ ﻣﻘﻮﻣﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺸﻜﻠﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻧﻴﺔ . ﻭ ﻳﻌﺪ ﺻﺎﺣﺐ هذه القصيدة ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ بدر شاكر السياب من ﺃﻫﻢ شعراء ﺗﻜﺴﻴﺮ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ وتجديد الرؤيا.

® دلالة العنوان ووضغ الفرضية  

1- دلالة العنوان :   

يتكون العنوان من اسمين دلاليين الأول يحيل على تموز وهي أسطورة قديمة،وتموز هو إله الخصب والحياة في الأسطورة البابيلية اغتاله خنزير بري فقتله لتموت بذلك الطبيعة ويرتدي هو في العالم السفلي ، فتبدأ حبيبته عشتاق في البحث عنه فلا تجده إلا في مدارات العالم السفلي، وهناك تقبله فيعود إلى الحياة ويبعث قبيل فصل الربيع فتتجدد بذلك الحياة كل عام، أما الإسم الثاني جيكور فهو إسم قرية صغيرة ولد فيها السياب تقع جنوب البصرة بالعراق، أما العلاقة الممكنة بين هذين المكونيين هي علاقة جدلية تتداخل فيها العديد من التنائيات الضددية والتي تترجم موقف الشاعر من هاجس وجودي قلق وأزمة حضارية طاغية.

2- فرضية القصيدة :

على ضور قراءتنا للعنوان وبعض المؤشرات النصية وشكلها الطباعي نفترض أننا أمام نص شعري جديد يعكس لنا تجربة وموقف الشاعر من الموجود المتأرجح بين الشك واليقين والحياة والموت والأمل واليأس والتفاءل والتشاؤم.

© الفهم 

1- تكثيف معاني القصيدة :

 بدأ الشاعر  المقطع الأول من القصيدة  بتخيل أن الخنزير البري الذي قتل تموز نال منه أيضا فسال دمه ، ولكنه دم لم ينبت شقائق النعمان  ولكنه أنبت ملحا ، بعد ذلك يتوجه بالخطاب إلى عشتار ويتمنى لو أنها تُقَبِّله ، وإن كانت قُبلتها مظلمة ، أما في المقطع الثاني فيؤكد الشاعر على أن جيكور ستولد من جرحه ومن غصة موته وستنبت الأرض قمحا  وتورق الطبيعة  ويفرح الناس ، ولكنه سيبقى وحده حزينا مسجونا يخفق في قلبه الدود . وفي المقطع الثالث يتراجع الشاعر عن حلمه بميلاد جيكور ويتساءل مستنكرا: كيف لها أن تولد من جديد في وقت تظلم فيه دماء الشاعر في الوادي ، و تنضح عظامه بالملح .

® التحليل 

المستوى الدلالي :

شكل الشاعر الحديت العديد من المواقف والموضوعات والرأى الحضارية والوجودية والرمزية الخاصة،لذلك نجد أن الشاعر في هذه القصيدة يعتمد على معجم ألفاظه تعبر عن جدلية الموت والانبعات  قصاوة وتجربة وموقف وما لها من أبعاد وجودية ، بحيت نجد أن العلاقة القائمة بينهما هي علاقة تضاد وتنافر الشيء الذي يشكل تنائية معجمية ضددية  بين الرغبة في الإنبعات والوجود والحياة وبين الإستسلام للهزيمة والعدم والموت.أما المعجم المرتبط بالقصيدة فهو يعبر عن حالة الشاعر النفسية القلقة والمتوثرة نتيجة لأزمة حضارية ضاغطة

© المستوى الإيقاعي 

1- الإيقاع الخارجي :

تتميز هذه القصيدة بتكسير البنية الإيقاعية الموروثة،فقد اعتمد الشاعر في بناءه قصيدته هاته  نظام السطر الشعري بوحدة إيقاعية هي تفعيلة البحر المتدارك أو المحدت (فاعلن ،فعلن )بالإضافة إلى التنويع في القافية والروي،كما أن الشاعر اعتمد نظام المقطع الشعري وهي مجموعة من الأبيات المنسجمة فيما بينها وتعتمد المؤشرات البصرية والدلالية والإيقاعية .

2- الإيقاع الداخلي :

عزز الشاعر البنية الإيقاعية الداخلية بأخرى خارجية تتجلى من خلال مظاهر الإيقاع الداخلي بحيت نجد مقوم التكرار حاضر حضورا قويا في المشهد الشعري لهذه القصيدة،وذلك أنه تكررت مجموعة من الأصوات مثل (حرف الراء ، حرف الباء ، حرف الحاء ، حرف الميم ، حرف اللام ، وحروف المد) هذه الأصوات جميعها خلقت إيقاعا صوتيا وتوازنا موسيقيا تعبر عن الحالة النفسية للشاعر،كما تكررت مجموعة من الكلمات مثل (الحياة ، الموت ، جيكور ، النور ،هيهات ، الولادة ....)وتكرار هذه الكلمات يفيد التقرير والتأكيد، بحيت يحاول الشاعر أن يؤكد لنا عن القلق لوجودي الذي يعتريه من جراء القلق والتوتر والتشكيك في نهوض الأمة العربية ووجودها حضاريا، كما تكررت أيضا مجموعة من العبارات مثل (جيكور ستولد جيكور ، النور سيورق النور....)مما يجعل مقوم التكرار متواجد داخل بنية القصيدة بمختلف أشكاله وألوانه وهو جاء بالأساس للتعبير عن موقف الشاعر من الوجود وخصوصياته الفكرية والحضارية وأيضا للتعبير عن تجربة شعرية جديدة.

©الصور الشعرية :

باستقراءنا للصور الشعرية لهذه القصيدة نجد أن بدر شاكر السياب قد وظف الأسطورة البابيلية (عشتار وتموز)للتعبير عن موقفه من الوجود وخصوصياته الفكرية والحضارية باعتبارها صورة طبرى تنبتق من رحمها عد من الصور الفرعية، بحيت اعتمد الشاعر في هذا السياق على عدد من الرموز الطبيعية واللغوية مثل القمح ،جيكور ، الملح ، الموت ، الليل ، الظلمة ، ..... لإثراء الكتافة التصويرية، ناهيك على أن الشاعر قد وظف بعض الصور التقليدية الأخرى مثل التشبيه والاستعارة مثل قوله النحل يوسوس أسراري والجرم سيضحك للصبح والتشبيه في قوله يخفق كالبرق،وبذلك يمكن القول بأن الصورة الشعرية عند بدر شاكر السياب جاءت مستمدة من الواقع العربي المهزوز والمهترئ، كما أن وظيفتها جاءت تعبيرية أي أنها تعبر عن موقف الشاعر من الوجود وخصوصياته الفكرية والحضارية،كما أن هذه الصور تنوعت بتنوع الحالة النفسية للشاعر.

®المستوى اللغوي :

باستقراءنا لأزمة الأفعال الواردة في القصيدة نجد هيمنة الأفعال الدالة على زمن المضارع بحيت نجد على سبيل المثال الأفعال الدالة على المضارع (يغوص ، لو يومض ، لو أنهض ، لو أسقى ، لو أنوعروقي).وهذه الأفعال تدل على الحركية والسيرورة والاستمرارية، ومن ذلك تدل دلالة قوية على واقع الشاعر القلق والمتوثر والحزن واليأس والتشكيك.أما فيما يتعلق بالأساليب، فقد اعتمد بدر شاكر السياب على الأسلوب الإنشائي والذي هيمن على القصيدة، ومن الأساليب الدالة عليه اسلوب الاستفهام (ابنتق النور ودمائي تظلم ) والنداء في قوله (ياليل أضل ، مسيل دمائي ، ياجيكور ) وتكشف هذه الجمل الإنشائية عن أحاسيس الشاعر وانفعالاته الوجدانية التي يغلب عليها القلق والتوتر والتشكيك والحيرة مع وجود أساليب خبرية،أما على مستوى الضمائر فتتوزع القصيدة بين ضميرين هما ضمير المتكلم المفرد وهو خاص بالشاعر الذي يتقصى أحيانا شخصية تموز ومن الألفاظ الدالة على ذلك (يدي ، ناري ، قلبي )،وضمير الغائبة المفرد يحيل على عشتار وعلى جيكور.

®خلاصة تركيبية :

اجمالا يمكن القول أن قصيدة تموز جيكور للشاعر العراقي بدر شاكر السياب نمودج شعري حديث يصور لنا من خلاله الشاعر موقفه الفكري من الوجود وانفعالاته المتوثرة والقلقة من جراء أزمة حضارية ضاغطة من خلال مجموعة من الأطراف المتفاعلة القائمة أساسا على جدلية الحياة والموت العدم والوجود الأمل واليأس....،وقد وظف بذلك الشاعر جملة من الصور الفنية والأدوات التعبيرية الجمالية من خلال توظيفه الأسطورة والرمز والانزياحات الأسلوبية والكتافة التصويرية،ناهيك عن مجموعةةمن التغيرات التي لحقت القصيدة جملة وتفصيلا، لغة وإيقاعا ،بناءا واسلوبا.والنص الشعري بذلك يمثل نمودج من نمادج تكسير البنية في الشعر العروضي الحديث،والذي يعد بادر شاكر السياب أحد رواده الكبار ومؤسسه الأوائل.

 عماد الدين زهير
عماد الدين زهير
من هو عماد الدين؟عماد الدين، مدون مغربي ومؤسس موقع نديروا اليد فاليد من أجل الحصول على البكالوريا، حاصل على شهادة البكالوريا في شعبة الآداب والعلوم الإنسانية سنة 2015، كما نال شهادة الإجازة في القانون الخاص.جاءت فكرة تأسيس هذا الموقع من إيماني العميق بأهمية التضامن المعرفي، وسعيًا لمد يد العون لتلاميذ البكالوريا، عبر تقديم محتوى تعليمي يُسهم في تمكينهم من النجاح والتفوق الدراسي.
تعليقات