تحليل قصيدة نهج البردة للشاعر أحمد شوقي
![]() |
تحليل قصيدة نهج البردة للشاعر أحمد شوقي |
الرصيد المعرفي حول مدرسة البعث والإحياء
شهد الشعر العربي في العصور الوسطى نوعًا من الازدهار والتنوع والقوة في جميع مستوياته، إلا أنه بعد هذه المرحلة عرف الشعر نوعًا من التراجع والضعف والانحطاط نتيجة استعمال لغة وسطى، والإفراط في الصنعة والتكلف، والتقليد الضعيف للقدامى، ثم ركاكة الأسلوب وضحالة المعاني.
مما أدى إلى ظهور مدرسة جديدة في منتصف القرن التاسع عشر، والتي سعت إلى إعادة إحياء الشعر ونفض غبار التخلف والانحطاط عنه.
ساهمت عدة عوامل في ظهور هذه المدرسة، من بين أهمها:
- حملة نابليون بونابرت على مصر، التي كشفت العرب على اختلاف حضارتهم عن الحضارة الغربية، ما دفعهم لمحاولة تقليد الغرب في أسلوب كتابة الشعر.
- عامل الاستعمار الأوروبي، حيث أدى استعمار الدول العربية إلى ظهور حركات مختلفة تسعى لإعادة بناء وإحياء الأدب العربي.
- عامل الفكر الإصلاحي، وذلك من خلال استلهام التاريخ الماضي المجيد لبناء حاضر ومستقبل مشرق للأدب العربي.
ومن بين الخصائص التي تميزت بها هذه المدرسة نجد:
- استلهام التقاليد الفنية للقصيدة العربية.
- العمل على تطويع النموذج التقليدي.
- المعارضة الشعرية، أي تقليد القدامى على مستوى المضمون والوزن والإيقاع.
هذه المدرسة لم تأتِ عبثًا، بل جاءت على أيادي رواد نظموا لها أسسها، من قبيل محمود سامي البارودي وعلال الفاسي.
ويعدّ الشاعر أحمد شوقي من أبرز الشعراء الذين اضطلعوا بهذا الدور، ويرجع ذلك إلى اطلاعه الواسع على روائع الشعر العربي القديم، ومحاكاته ومعارضته لكبار الشعراء القدامى. ولعلّ القصيدة التي بين أيدينا من أهم معارضاته، وهي مأخوذة من ديوانه "الشّوقيات".
الملاحظة
دلالة العنوان
يتكون عنوان هذه القصيدة من مركبين إسميين تجمع بينهما علاقة إسنادية: فـ"نهج" مضاف و"البردة" مضاف إليه. وعلى المستوى الدلالي، يشير العنوان إلى أن الشاعر يستحضر نموذجًا شعريًا قديمًا وهو قصيدة "البردة" للشاعر العباسي شرف الدين محمد البوصيري.
فرضية النص
استنادًا إلى قراءة العنوان وبداية القصيدة ونهايتها، نفترض أن الشاعر سينقل معاناته النفسية الناتجة عن عشقه لحبيبه، كما سيعبر عن مدحه للرسول صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه.
الفهم
مضمون القصيدة
بدأ الشاعر قصيدته بمقدمة غزلية عبّر فيها عن معاناته من عشق حبيبته، التي أذلّته بجمالها وفتنتها ودلالها. كما تطرق إلى غواية النفس وانخداعها بملذات الدنيا الفانية، مخصًّا نفسه التي استرسلت في ارتكاب الذنوب والمعاصي حتى أدركه الشيب، وداهمته الحسرة والندم، داعيًا في النهاية إلى الأخلاق كسبيل لإصلاح النفس وتقويمها.
واختتم الشاعر قصيدته بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه، مبرزًا مجموعة من الصفات الحميدة للرسول، منها ما هو خلقي كالجمال وحسن الطلعة، ومنها ما هو أخلاقي كالرحمة والشرف والخير والشجاعة.
كما شمل المدح آل البيت والصحابة رضوان الله عليهم، ووجّه الدعاء إلى الله تعالى لطافة الأمة الإسلامية وعودتها إلى عهدها السابق، ليجعل نهاية القصيدة حسنة ومتناسقة مع حسن بدايتها.
التحليل
1- المستوى الدلالي
استعان الشاعر في التعبير عن مضمون قصيدته بمعجم شعري تتميز ألفاظه بالقوة والجزالة، متأثرًا في ذلك بالمعجم الشعري العربي القديم، كما أنّ هذه الألفاظ تتوزع بين ثلاثة حقول دلالية، هي: الغزل، النفس والدنيا، المدح.
ويمكن توضيح ذلك على الشكل التالي:
- الألفاظ والعبارات الدالة على الغزل: ريم، الجؤذر، ساكن القاع، السهم المصيب، الأحبة.
- الألفاظ والعبارات الدالة على النفس والدنيا: نفس، دنياك، مبكية، الزمان، إساءتها، جرح، يبكي، الأماني، الأحلام، مسودة الصحف، مبيضة اللمم.
- الألفاظ والعبارات الدالة على المدح: صفوة الباري، رحمته، بغية الله، سناؤه، سناه، آياته جدد، البدر، حسن، شرف، خير، كرم، شم الجبال، الليث، بيض الوجوه.
والعلاقة الجامعة بين هذه الحقول الدلالية هي علاقة تكامل وانسجام؛ لأنّ الغزل جزء من ملذّات الدنيا وغواية النفس، أمّا مدح الرسول صلى الله عليه وسلّم وآله وصحبه، واستحضار خصالهم الحميدة فهو بداية التوبة وطريق لإصلاح النفس وتقويمها.
2- الصور الشعرية
إذا انتقلنا إلى دراسة الصورة الشعرية في هذه القصيدة، نجدها صورة تقليدية تقتفي نهج الشعراء العرب القدامى في التصوير، وذلك من خلال قيامها على أدوات بلاغية تقليدية كالتشبيه والاستعارة والكناية والمجاز المرسل، بالإضافة إلى كونها تعتمد خيالًا حسيًا واقعيًا يستمد عناصره من الواقع المحسوس.
ويمكن دراسة الصورة الشعرية في النص كالتالي:
-
صورة المشابهة: يشبّه الشاعر في قوله:
"سناؤه وسناه الشمس طالعة *** فالجرم في فلك والضوء في علم"
النبي صلى الله عليه وسلّم في رفعته وضيائه بالشمس الطالعة، والجامع بين الطرفين هو علوّ المنزلة من جهة، وانتشار الضوء في كلّ مكان من جهة ثانية. -
مثال الاستعارة: في البيتين الأول والثاني، استعار لفظتي "الريم" و"الجؤذر" للدلالة على المرأة الجميلة الناعمة على سبيل الاستعارة التصريحية.
-
صورة المجاورة (الكناية والمجاز المرسل):
- الكناية: مسودة الصحف، مبيضة اللمم، بيض الوجوه، شم الأنوف، فكل هذه العبارات تتضمن كناية عن صفات.
- المجاز المرسل: لفظتا "الأجم" و"النفس"، فالأولى يقصد بها الشاعر "العرين"، وهذا مجاز مرسل علاقته الكلية، لأن الأجم كلّ والعرين جزء منه، والثانية يقصد بها الشاعر "الإنسان"، وهو مجاز مرسل علاقته الجزئية، لأن النفس جزء من الإنسان.
وفي كل الأمثلة السابقة تؤدي الصورة وظيفة جمالية، من خلال التعبير عن المعنى بشكل ينزاح عن اللغة العادية المألوفة، أي من خلال خلق وعقد علاقات جديدة بين عناصرها بشكل يحقق متعة فنية وجمالية للمتلقي.
ويستوقفنا في النص أسلوب الطباق الذي تردد في جملة من أبيات القصيدة، وقد أفاد عبر الكلمات وأضدادها إبراز جملة من التعارضات سواء بين الشاعر وحبيبته، أو بين الحياة الفانية والآخرة:
"أحلّ/ الأشهر الحرم - يفنى/ يبقى - انصرمت/ غير منصرم".
وإذا ما حاولنا رصد طبيعة الجمل الموظفة في النص، فإننا نسجل هيمنة الجملة الفعلية في غرضين من أغراض القصيدة هما: الغزل، والحديث عن النفس والدنيا، فقد تواترت الأفعال في هذين الغرضين للدلالة على الحركة والتحول والتقلّب: (أحل، رمى، رنا، جحدتها..).
أما غرض المدح، فقد هيمنت فيه الجملة الاسمية، وذلك عائد إلى الثبات والدوام الذي طبع صفات الممدوح، خاصة أن هذا الممدوح هو أحسن الخلق وخاتم الرسل والأنبياء.
المستوى الإيقاعي
الإيقاع الداخلي
يتجلى الإيقاع الداخلي في هذه القصيدة من خلال التكرار البديع، سواء على مستوى بعض الصوامت مثل الميم والياء، أو على مستوى الكلمات، كما يظهر في:
- تكرار التطابق: النفس - يانفس - لنفسي، الأخلاق - الأخلاق، خير - خير.
- الجناس الاشتقاقي والتجانس: بدعها / داعي، انصرصت - منصرم، واسمته / تسم.
- التوازيات التركيبية والصوتية التي تضفي انسجامًا وانسيابية على النص.
كل هذه العناصر تتضافر لتخلق إيقاعًا داخليًا متناسقًا، يتناغم مع الإيقاع الخارجي للقصيدة، ليولد موسيقى شعرية مميزة، وهو ما يمثل سمة بارزة في الشعر العربي القديم.
تمام، ها هي الفقرة بعد وضع عنوان واضح “الإيقاع الخارجي” وجعلها متوافقة مع السيو بأسلوب سلس وبسيط:
الإيقاع الخارجي
بالنسبة للإيقاع الخارجي لقصيدة نهج البردة للشاعر أحمد شوقي، فهو مبني على بحر الطويل، الذي يمنح البيت الشعري توازناً وانسجاماً، ويضفي على القصيدة جرساً موسيقياً مريحاً عند التلاوة. يتكوّن كل بيت من شطرين متساويين في التفعيلات: مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن، ما يجعل قراءة الأبيات سلسة ومتناسقة مع الوزن الكلاسيكي للشعر العربي.
كما حافظ الشاعر على توحيد القافية في قصيدة نهج البردة، وهو أسلوب يسهّل حفظ القصيدة ويزيد من وقعها الموسيقي على السامع. بالإضافة إلى ذلك، نجد في النص التكرار الصوتي لبعض الكلمات والعبارات في قصيدة نهج البردة مثل: "النفس – يانفس – لنفسي" و"خير – خير"، الذي يضفي على الأبيات حيوية ويجعلها أكثر تأثيراً وجاذبية.
بهذا الأسلوب المتقن، يظهر الإيقاع الخارجي لقصيدة نهج البردة قوياً ومنظماً، ويكمل الإيقاع الداخلي للقصيدة ليصبح النص شعراً متكاملاً يسرّ العين والأذن معاً، ويساعد التلميذ على فهم معانيه بشكل أفضل.
الجمل والأساليب
زاوج الشاعر ببراعة بين الأساليب الخبرية (ب 1 - ب 2 - ب 3 - ب 4...) والأساليب الإنشائية التي تمثلت في:
- النداء (ب 2 - ب 3 - ب 5 - 8 - 9)
- الأمر (ب 10...)
- الدعاء (ب 20 - 22 - 24 - 25)
- النهي (ب 24)
فالأساليب الخبرية أظهرت فضائل الرسول (ص) وصفاته العظيمة، بينما الأساليب الإنشائية عكست عاطفة الشاعر الصادقة تجاه الممدوح، وتجسدت في نص القصيدة أحاسيسه الداخلية ومعاناته النفسية.
الجمل الفعلية والاسمية وزمن الفعل
تنوعت الجمل بين الخبرية والإنشائية، واعتمد الشاعر على الجمل الفعلية التي هيمنت على الجمل الاسمية:
- الأفعال الماضية: أَحل، رنا، جحدتها، كتمت، راعها.
- الأفعال المضارعة: تخفي، يفتي، يبقى، يجعلني.
- أفعال الأمر: قوم.
- أفعال الدعاء: صل، سلم، الطف، تمم.
هذا التنوع الزمني يغطي الماضي والحاضر والمستقبل، ما يتوافق مع مضمون القصيدة المرتبط بالخطاب الديني، ويعكس رسالة الرسول (ص) الخالدة والصالحة لكل زمان ومكان (ب 15).
الضمائر
- ضمير المتكلم المفرد: يعود على الشاعر، خاصة في مقاطع الغزل.
- ضمير الغائب المفرد: يعود على الممدوح / الرسول (ص).
- ضمير المخاطب: يظهر في البنية الحكمية، محرر التنفس.
- ضمير الغائب الجمع: يعود أحيانًا على آل البيت الطاهرين والصحابة الأجلاء، وأحيانًا على المسلمين عامة.
أسلوب التضاد والطباق
يبرز في النص أسلوب التضاد والطباق الذي يضفي جمالية وعمقًا على التعبير:
- طباق إيجابي: مبكية * مبتسم، مسودة * مبيضة.
- طباق سلبي: انعزمت * غیر منصرم.
■ خلاصة التركيبة
بناءً على ما سبق، نستخلص أنّ القصيدة تمثل إلى حد كبير إحياءً للمقومات الفنية للقصيدة العربية التقليدية. فهي على مستوى البناء تقوم على تعدد الأغراض التي يحتل فيها الغزل مقدمة القصيدة، بالإضافة إلى حرص الشاعر على استقلالية كل بيت بمعناه.
وعلى مستوى المعجم، تتميز الألفاظ بالقوة والجزالة، كما أنّ الشاعر يستمد معظمها من القاموس الشعري العربي القديم. ومن جهة الصورة، فهي تقوم على أدوات بلاغية تقليدية مثل التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز.
وقد منح تمثّل الشاعر للشعر القديم قصيدته تميزًا خاصًا، فاستطاع صياغتها بشكل أكسبها شهرة واسعة في شعره، وفي شعر النهضة بشكل عام.
✨ أعزائي التلاميذ والتلميذات، بعد ما تعرفنا معًا على تحليل قصيدة نهج البردة للشاعر أحمد شوقي، كنتمنا تكونوا استفدتم وفهمتم مزيان مضامينها ومعانيها. 📝
دابا جاء دوركم 👇
شنو هو البيت لي شد انتباهكم أكثر في هاد القصيدة؟ وشنو هي القيمة أو الفكرة لي حسيتوها قريبة ليكم؟ 🤔