تحليل النص النظري "القصيدة الجديدة "تصحيح الامتحان الوطني 2015 مسلك الآداب - الدورة الاستدراكية
تحليل النص النظري "القصيدة الجديدة " |
1 - التأطير العام:
بعد تجاوز الشعر العربي الحديث لمرحلتي إحياء النموذج وخطاب الذات، ونتيجة لمجموعة من الظروف السياسية والتحولات الفكرية التي عرفها العالم العربي منذ منتصف القرن الماضي وكذا الانفتاح على الثقافة الأجنبية، والتي أدت إلى وعي الشاعر الحديث بذاته وتدبر خصوصياتها وتأكيد هويتها الحضارية والإنسانية، ظهر ما يسمى بـ"شعر الرؤيا والذي يعبر عن موجة إبداعية جديدة ذات مقومات إبداعية خاصة تجاوزت الرغبة في تكسير الأوزان والوقفات العروضية و الدلالية إلى مستوى الانفتاح على عوالم إنسانية خصبة في التعبير عن انفعالاتهم و معاناتهم وقلقهم الوجودي. وذلك بواسطة لغة تعتمد على المجاز والانزياح، وأدوات أسلوبية تقوم على توظيف الرمز والأسطورة. ومن أبرز رواد هذا الحركة نذكر أحمد عبد المعطي حجازي ويوسف الخال محمد الماغوط وخليل حاوي.....، وقد واكبت هذه الحركة الشعرية حركة نقدية وتنظيرية وازنة عملت على إبراز ملامح هذا الاتجاه الجديد مشكلة بذلك وسيطا بين المبدع والمتلقي، وقد تزعمها ثلة من الباحثين والنقاد أمثال: محمد عزام وصبحي محي الدين، إلى جانب صاحب النص علي أحمد سعيد والذي يعتبر من أهم المواكبين لحركة تجديد الرؤيا دراسة وممارسة، وهو صاحب كتاب "زمن الشعر" الذي اقتطف منه النص قيد التحليل .
●ما مميزات كل من القصيدة القديمة والقصيدة الجديدة؟
●وما الطريقة والأساليب المعتمدة في بسطها ؟
●وإلى أي حد استطاع الكاتب أن يقدم لنا تصورا واضحا حول المقومات والخصائص الفنية التي ميزت شعر الرؤيا ؟
صياغة الفرضية
يناقض القصيدة القديمة ويختلف عنها شكلا ومضمونا وبقراءتنا لبداية النص والتي يعرف من خلالها الكاتب القصيدة الجديدة باعتبارها حركة ومعنى تتوحد فيهما الأشياء والنفس ، والواقع والرؤيا ، وباطلاعنا على مصدر النص وهو كتاب "زمن الشعر" للشاعر والناقد السوري علي أحمد سعيد ، نستطيع أن نفترض أننا إزاء نص نظري يعالج قضية أدبية ترتبط بحركة تجديدية في الشعر العربي الحديث تقوم على الرؤيا.
2 القضية المطروحة وعناصرها
إن قراءة النص قراءة متأنية تكشف لنا بجلاء أن الكاتب يعالج قضية أدبية مركزية ترتبط بالقصيدة الجديدة، من حيث تحديد سماتها وإبراز أسسها ومقوماتها الفنية. وقد تفرعت هذه القضية إلى جملة من المضامين الفرعية: أولها تتبع فيها الكاتب تحول الشعر العربي وتطوره من قصيدة قديمة إلى قصيدة جديدة يتوحد فيها الواقع والرؤيا . وثانيها مقارنته بين القصيدة القديمة والقصيدة الجديدة من الناحية الفنية ، وثالثها إبرازه لسمات اللغة والتعبير الشعري في الشعر العربي الجديد ، ورابعها الكشف عن اختلاف طبيعة شعر الرؤيا عن المفهوم القديم للشعر و آخرها تحديد هوية وحقيقة الشعر الجديد باعتباره خلقا ورؤيا ، وطموحه إلى الكشف عن المهم في الحياة والمصير.
-3- صد مميزات كل من القصيدة القديمة والقصيدة الجديدة
ولقد عمل الكاتب في معرض تقديم قضيته المحورية على تمييز كل من القصيدة القديمة والقصيدة الجديدة بمجموعة من المميزات والسمات نوردها على الشكل الآتي : فالقصيدة القديمة كلمة وفكرة وانفعال، ذات لغة ذوق عام وقواعد نحوية وبيانية ، تقوم على الوزن السهل المفروض من الخارج تعتمد شكلا واحدا ، فضلا عن قيامها على جمالية البيت المفرد، واعتبارها الشعر صناعة ومعان وشعورا ، أما القصيدة الجديدة، فهي رؤيا وخلق ووحدة متماسكة ، حية ، ومتنوعة، وتجربة متميزة وذات لغة شخصية متفردة وإيحائية ، تعتمد إيقاعا نابعا من الداخل وتتخذ كل قصيدة شكلا خاصا.
4- بيان الطريقة المعتمدة في بناء النص، وإبراز الأساليب الموظفة في عرض القضية التي يطرحها
بخصوص الطريقة المعتمدة في بناء النص، فلقد نهج الكاتب بنية حجاجية استنباطية تتدرج من العام إلى الخاص ، فالعام في النص هو الحديث عن الشعر العربي الذي صار يعرف تحولا وتطورا)، أما الخاص فيتمثل في الكشف عن السمات الفنية والأسس التي تستند إليها حركة الشعر الجديد، وذلك وفق بناء منهجي واضح المعالم يتشكل من مقدمة : تطرق فيها إلى تحول الشعر العربي نحو القصيدة الجديدة، ثم عرض : رصد فيه الأسس التي تستند إليها حركة الشعر الجديد من الناحية الفنية واللغوية وناحية الخلق الشعري فخاتمة حدد فيها هوية الشعر الجديد وطموحه.
كما استعان الكاتب بمجموعة من الأدوات الحجاجية والأساليب اللغوية لدعم أطروحته، نذكر من الأولى : أسلوب التعريف قد حضر في سياق التعريف بالقصيدة الجديدة ..... و أسلوب الوصف والشرح: يحضر بشكل قوي في توصيف كل من القصيدة الجديدة والقصيدة القديمة... وأسلوب المقارنة: " حينما عمد إلى المقارنة بين القصيدة القديمة والقصيدة الجديدة : وأسلوب البرهنة : (ليس في تاريخ النقد العربي ما يشير إلى النظر إلى الشعر بوصفه خلقا أو رؤيا : وأسلوب التعليل : حينما تحدث إيقاع القصيدة الجديدة" لذلك فهو ابتكار .. " و أسلوب الاستنتاج : وهكذا لم يعد الشعر من وجهة النظر الجديدة ...) : ونمثل للثانية ب : التأكيد : ( فإن القصيدة الجديدة .... و أسلوب النفي :( لا مسألة نحو وقواعد ، لا يتحكم فيه النحو ...) و أسلوب الإضراب : (بل أصبح خلقا ورؤيا) وفيما يتعلق بلغة النص، فلقد جاءت مباشرة تقريرية تتميز بوضوح وبساطة العبارة في الغالب والتكثيف الإيحائي أحيانا، ولقد أسهمت في إيصال الأفكار بما يكفي من الوضوح إلى ذهن المتلقي حتى يسهل إقناعه بها، وهذا ما جعلها تتضلع هي الأخرى بوظيفة إقناعية في سياقها التواصلي.
-5- التركيب :
وفي الختام ، يتبين لنا من خلال تحليلنا لهذا النص أنه عالج فيه الكاتب أحمد علي سعيد قضية أدبية ترتبط بالقصيدة الجديدة (شعر الرؤيا) مبرزا أهم سماتها ومميزاتها ومقارنا بينها وبين القصيدة القديمة، كما كشف الأسس التي تستند إليها الحركة الجديدة ومنتهيا إلى تحديد هوية هذا الشعر وطموحاته، سالكا في عرضه أسلوبا استنباطيا منطلقا فيه من العام نحو الخاص وبناء منهجيا متدرجا كما توسل في الدفاع عن قضيته بجملة من التقنيات الحجاجية والأساليب اللغوية تأرجحت بين التعريف و المقارنة والاستنتاج ... و أساليب لغوية مختلفة، ولغة تقريرية مباشرة عملت على نقل المضمون الفكري بشكل واضح إلى المتلقي وبخصوص رأي الكاتب المتمثل في كون أن الشعر الرؤيوي شعر لا يقبل أي شكل مغلق نهائي، بل يفجره ويتخطاه ، فهذه سمة يتميز بها الشعر الجديد القائم على الثورة على كل ماهو محدد ، فهو يرفض الأشكال النهائية ويفجرها لإيمانه بأن روح الشاعر تأبى الخضوع وتسعى إلى التجاوز والتخطي واصطناع المواقف.
أما بخصوص رأيي الشخصي فأرى أن قصيدة الرؤيا لم تقتصر فقط على التجديد الإيقاعي والتخلص من قيود القصيدة القديمة بقدر ما هي موقف يصطنعه الشاعر إزاء الحياة و الوجود والكون ورؤيا تستشرف المستقبل من خلال حدوساته وقدرته على إعادة تشكيل الواقع عبر الرمز والأسطورة، وتنفتح على عوالم إنسانية خصبة للتعبير عن انفعالات الإنسان المعاصر ومعاناته و قلقه الوجودي. ومن خلال ما تم التوصل إليه من معطيات نستطيع أن نثبت صحة فرضيتنا في بداية التحليل .
إعداد: ذ. بوستة