تحليل نص وجدان الشاعر لأحمد المعداوي
تحليل نص وجدان الشاعر لأحمد المعداوي |
◇تأطير عام لحركة سؤال الذات
ظهرت حركة سؤال الذات في مطلع القرن العشرين نتيجة جملة من التحولات التي مست المجتمع العربي على جميع الأصعدة السياسية، الاجتماعية، الفكرية والأدبية، فقد عانى الإنسان العربي من الاضطهاد والظلم والتسلط نتيجة ما عرفته المرحلة التاريخية من استعمار وحروب، كما انفتح الأدباء على الأدب الغربي وبخاصة الرومانسي منه، فتأثروا بكبار أعلامه، وقد اجتمع رواد هذا الاتجاه على مركزية الوجدان في الإبداع الشعري مستهدفين بذلك إعادة الاعتبار لذات الشاعر وهمومه الفردية، وهكذا فقد جاء شعرهم متسما بجملة من الخصائص الفنية الجديدة تتمثل في حضور النزعة الذاتية والتأملية، وتوظيف لغة بسيطة من المتداول اليومي واعتماد صور شعرية نابعة من الذات، كما اتسمت القصيدة الرومانسية بالوحدة العضوية وبعض الملامح التجديدية على مستوى الإيقاع. ولقد شكلت هذا التيار في الأدب العربي ثلاث جماعات، وهي: جماعة الديوان وروادها العقاد والمازني وشكري، والمدرسة المهجرية وقد مثلها إيليا أبو ماضي وميخائل نعيمة و جبران خليل جبران ..... ثم جماعة أبولو والتي أسسها أحمد زكي أبو شادي إلى جانب أبي القاسم الشابي وعلي محمود طه وأحمد رامي وغيرهم.
◇الملاحظة
1-دلالة العنوان
بملاحظتنا لعنوان النص والذي جاء من الناحية التركيبية مركبا إضافيا من مبتدأ مرفوع " وجدان" ، ومضاف إليه مجرور "الشاعر والخبر محذوف تقديره محتوى النص، أما من الناحية المعجمية فيقصد بالوجدان النفس والذات بكل جوارحها و من الناحية الدلالية، فيشير العنوان إلى جملة من العواطف والميولات والأحاسيس التي تنتاب الشاعر.
2-فرضية النص:
انطلاقا من ملاحظتنا للعنوان وبداية النص التي تكشف لنا عن جملة الأسباب التي أدت إلى ظهور الاتجاه الذاتي في الشعر العربي، ونهايته التي يبين فيها الكاتب مفهوم الوجدان عند شعراء المهجر والمتمثل في النفس والحياة والكون أمكن لنا الافتراض أننا إزاء نص نظري يعالج قضية أدبية ترتبط بالتجربة الرومانسية في الشعر العربي الحديث، مع الإشارة إلى أسباب نشأتها والخصائص التي تميزها.
◇ الفهم
* تكتيف مضمون النص
إن قراءة النص قراءة متأنية تكشف لنا أن الكاتب يعالج قضية أدبية مركزية ترى أن غاية الشعر الذاتي تكمن في رد الاعتبار لذات الشاعر وهمومه الفردية، والاحتفاء بالوجدان، على اختلاف الشعراء حول مفهومه مبرزا أهم أسباب نشأة هذا التيار وخصائصه الفنية. وقد تفرعت هذه القضية إلى جملة من المضامين الفرعية ، أولها إشارة الناقد إلى الأسباب المختلفة التي أدت إلى ظهور الاتجاه الذاتي في الشعر العربي والذي جاء بمثابة رد فعل قوي على الحركة المحافظة ، وثانيها التأكيد على اتفاق شعراء الديوان العقاد والمازني وشكري حول مبدأ الوجدان واختلافهم حول مفهومه الشيء الذي سيؤدي إلى تباين إنتاجاتهم الشعرية ، أما الثالث فتناول مصدري اهتمام شعراء الديوان بقيمة العنصر الذاتي وهما معاناة شخصية الفرد من انهيار تام على مختلف المستويات التشبع الفكر الحر والرابع وهو الأخير فقد أبرز تصور شعراء المهجر المفهوم الوجدان متمثلا في النفس والحياة والكون.
●التحليل
1- المستوى الدلالي
لبسط أفكار ومضامين النص توسل الناقد بمجموعة من الألفاظ والعبارات التي تمتح من حقل شعر الإحياء من قبيل محاكاة الأقدمين - الحركة الإحيائية - محاكاة النماذج السابقة - شعر متشابه، لم تول الذات.... وأخرى ترتبط بحقل شعر الذات، نمثل لها بـ وجدان - حياة - كون - اتجاه ذاتي - الفردية - هموم قيم جديدة - الشعور - ما تفيض به النفس لا شعورية الاختلاف - التمايز - التفرد...). ومن خلال ملاحظتنا للحقلين يتبن لنا أن هناك هيمنة للألفاظ الوجدانية مقابل الإحيائية، لكونها تشكل عماد النص وقوامه ومحور موضوعه، وإذا ما دققنا أكثر في دلالاتها وجدناها أميل إلى الحرية والتفرد، ولا يلجأ الناقد إلى توظيف المصطلحات الإحيائية إلا اضطرارا عند عقده مقارنة بين الشعرين الإحيائي والوجداني، وفي هذه المقارنة نقد ضمني للحركة الإحيائية.
أما بخصوص المفاهيم النقدية الموظفة، فالنص يحفل بالعديد منها وهي ذات مرجعيات مختلفة : تاريخية و اجتماعية : ( الفترة التاريخية ، تاريخ الأمة العربية ، الاستجابة للواقع ) و نفسية ( شخصية الفرد ، الانهيار شعورية ، لا شعورية ) وفنية : وجدان ، الذات ، محاكاة..) .
2- بيان الطريقة المعتمدة في بناء النص، وإبراز الأساليب الموظفة في عرض القضية التي يطرحها
اعتمد الكاتب في بناء نصه بنية حجاجية استنباطية ، حيث انتقل فيها من العام منحدرا نحو الخاص، فالعام في النص هو الوقوف عند الحركة الرومانسية من حيث نشأتها ومرتكزها الوجداني، أما الخاص فيتمثل في الوقوف على تمثل الوجدان من قبل تيارات الرومانسية (جماعة الديوان وتيار الرابطة القلمية).
وفي هذا السياق اعتمد الكاتب على أساليب إقناعية حجاجية من قبيل أسلوب المقارنة والوصف والشرح والتفسير وغيرها من الأساليب الحجاجية الأخرى،وذلك لإقناع القارئ بنظريته،ومن مميزات هذا النص كذلك أنه جاء منسجما ومتماسكا مترابطا بحيت يقوم على التسلسل المنطقي والموضوعي في عرض أفكاره وأراءه،وقد حققت الروابط اللفظية والمعنوية سواء بين الجمل والفقرات تماسكا وترابطا واتساقا، وقد اتسمت لغة النص بالتقريرية والمباشرة والدقة والوضوح، كما شاع الأسلوب الخبري الذي كان وسيلة الكاتب في نقل أفكاره.
خلاصة:
إجمالا يمكن القول أن الكاتب قد عمل من خلال هذا النص على أن يقدم لنا تصورا نظريا عاما عن التيار الذاتي في الشعر العربي، ومجمل خصائصه، والتي يحتل فيها التعبير عن الوجدان مكانة جوهرية، فضلا عن التأمل العميق في الكون والحياة والطبيعة، وذلك من خلال الوقوف على أهم تصورات الشعراء لمفهوم الوجدان ، والمدارس التي شكلته، والظروف التاريخية التي أحاطت بولادته، مهتديا في ذلك بمفاهيم ومصطلحات نقدية مختلفة و بمعجم توزع بين المعجم الإحيائي والمعجم الذاتي تربط بينهما علاقة تقابل، كما استعان بجملة من الأساليب الحجاجية كالاستشهاد والتعريف والوصف والمقارنة وأساليب لغوية متنوعة معتمدا في بناء نصه أسلوبا استنباطيا ولغة بالغة في الدقة والوضوح، الشيء الذي مكنه من إيصال أطروحته بشكل واضح ومقنع وهكذا نصل في النهاية إلى إثبات صحة فرضيتنا في بداية التحليل.